إذا اجتمع العيد والجمعة
عند اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد
أ.د.عبد الله الزبير
أولاً: في المسألة ستة أقوال:
القول الأول: أن صلاة الجمعة تسقط بصلاة العيد فتكون رخصة لكل أحد، وهذا قول الشوكاني في السيل الجرار.
القول الثاني: أن صلاة الجمعة تسقط بصلاة العيد إلا عن الإمام، فيجب عليه الحضور للمسجد فإن وجد من يصلي بهم الجمعة صلى بهم.، وهو قول الحنابلة.
القول الثالث: أن صلاة الجمعة تسقط بصلاة العيد إلا عن الإمام وثلاثة من المصلين، وهو قول الهادوية.
القول الرابع: أن صلاة الجمعة لا تسقط بصلاة العيد إلا عن أهل القرى والبوادي، وهو قول الشافعية .
القول الخامس: أن صلاة العيد لا تسقط بصلاة العيد، لا عن أهل القرى والبوادي ولا عن أهل البلد ممن تجب عليهم الجمعة، وهوقول أكثر الفقهاء كما نصّ ابن قدامة في المغني ، قال به الحنفية والمالكية والظاهرية وبعض الشافعية.
القول السادس: أن صلاة الجمعة تسقط بصلاة العيد، بل صلاة العيد تسقط فرض الجمعة وأيضاً تسقط فرض الظهر، فلا صلاة بعد صلاة العيد إلا العصر، وهذا قول عطاء بن أبي رباح رحمه الله ، وهو قول شاذ لم يأخذ به أحد من الفقهاء، ولم يعمل به أحد من أهل العلم ولا غيرهم. وقد وصفه الحافظ ابن عبد البر بأنه قول منكر أنكره فقهاء الأمصار.
الراجح من أقوال الفقهاء:
والراجح من هذه الأقوال هو ما ذهب إليه الجمهور منهم: أنه لا تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد، لا عن المأمومين ولا عن الإمام، لا عن أهل البلد ولا عن أهل القرى إذا كانت الجمعة تجب عليهم، وذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [الجمعة/9]، وهو أمر صريح بالسعي إلى صلاة الجمعة، فلا يبطله أو يرده شيء.
الوجه الثاني: أنّ صلاة العيد سنة عند الجمهور وصلاة الجمعة فرض، وقاعدة التشريع أن الفرض لا يسقط بالسنة، فلا تسقط ـ إذنْ ـ صلاة العيد صلاة الجمعة، بل وإنْ كان كلٌّ منهما فرضاً، فكلّ منهما فرض مستقل عن الآخر لكل شروطه ولكل وقته ـ كما قال الحنفية.
الوجه الثالث: أنّهما صلاتان لا تداخل بينهما، ولكل شروطٌ: وجوباً أو استناناً، فوجب أداء الجمعة، وإنْ صُلِّي العيد.
الجواب عن أدلة المرخّصين:
أمّا ما استدل به من رخّص في صلاة الجمعة إذا وقع العيد في يوم الجمعة؛ فكلّه موجّه كما يلي:
1ـ النصوص:
أـ حديث معاوية بن أبي سفيان أنه سأل زيد بن أرقم رضي الله عنهم: قال أشهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (من شاء أن يصلي فليصل ).
ب ـ حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون ). كلا الحديثين في سنن أبي داود باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد.
ج ـ حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :
اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال:
( من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ومن شاء أن يتخلف فليتخلف) في سنن ابن ماجة.
د ـ خبر عثمان بن عفان أنه خطب في صلاة العيد فقال: "إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له ". وهو في الموطأ وعند البيهقي وغيرهما.
هـ ـ خبر عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: "صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا، وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال: أصاب السنة". في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما.
مناقشة هذه الأدلة:
أولاً: هذه النصوص المرفوعة إلى رسول الله r والموقوفة على أصحابه رضي الله عنهم كلها مختلف في صحتها وقبولها بين أهل العلم، مع أن النووي رحمه الله حسنها، والألباني من المعاصرين صححها، إلا أن من أئمة الحديث من تكلم فيها وضعفها
قال الحافظ ابن عبد البر عنها:" ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث"
وقال ابن حزم رحمه الله: " وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولا بدّ، ولا يصحّ أثر بخلاف ذلك" اهـ.
وبيان ما قيل في الأحاديث والآثار:
ـ فعن الحديث الأول ـ حديث معاوية ـ فقد ضعّف من جهتين:
1- من جهة إياس بن أبي رملة أولاً: جهله ابن المديني وابن حجر وابن القطان. ثانياً: قال ابن المنذر عنه: متروك.
2- ومن جهة إسرائيل بن يونس وقد ضعفه ابن حزم.
ـ وأما حديث أبي هريرة فهو ضعيف من ثلاث جهات:
1- من جهة زياد البكائي وهو ضعيف ضعفه يحيى بن معين وغيره..
2- ومن جهة بقية بن الوليد ، وهو معروف بأنه يروي عن الضعفاء ويدلس كما قال ابن الجوزي، وأكثر أهل العلم يضعفونه قال ابن عبد البر:" ليس بشيء في شعبة وله مناكير وهو ضعيف ليس ممن يحتج به"
3- أن الحديث كان يروى مرسلاً عن أبي صالح وبقية رفعه، وقد تعجب الإمام أحمد رحمه الله من بقية وكيف رفعه!!.
ـ وأما حديث ابن عمر فهو كذلك ضعيف من جهتين:
1ـ من جهة مندل بن علي وهو معروف بالضعف.
2ـ ومن جهة جبارة بن المغلس قال عنه ابن معين: هو كذاب، وقال عنه ابن نمير: كان يوضع له الحديث فيحدث به.
ـ وأما خبر عطاء عن ابن الزبير رضي الله عنهم: فقد قال فيه حافظ المشرق والمغرب ابن عبد البر رحمه الله: "هذا حديث مضطرب" وبيّن وجه الاضطراب فيه بالتفصيل في كتابه التمهيد ـ لا مجال لسرده ههنا ـ .
فهل يمكن أن نغيّر حكم الوجوب الصريح في قوله تعالى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) بمثل هذه الأحاديث والروايات التي في كلٍّ منها مقال ووجه ضعفٍ؟!! . كما أنه لا يمكن أن نخصص أو نقيّد حكم الآية الواضحة الثابتة بمثل هذه الأحاديث الضعيفة ، حتى ولو قلنا هي أحاديث مختلف في صحتها.
فلم يبق من الأحاديث والأخبار إلا خبر عثمان رضي الله عنه ، وسيأتي توجيهه في الفقرة التالية وهي:
ثانياً: لو سلمنا للمرخّصين بصحة الأحاديث والآثار السابقة !: فمن الممكن الجمع بينها وبين آية وجوب الجمعة، وذلك كما يلي:
أ ـ فأحاديث ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في حديث معاوية وحديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما فالمراد بها الرخصة لأهل العالية والقرى البعيدة الذين يشقّ عليهم الأمران: المكوث والانتظار، والعودة ثم الرجوع..
1ـ فالمكوث في المدينة انتظاراً للجمعة مما يلزم مضايقتهم والتضييق عليهم وحبسهم ، كما أنه يلزم تركهم للأضحية وذبحها.
2ـ والرجوع إلى أهليهم وقراهم وذبح أضحيتهم ثم العودة والرجوع من قراهم البعيدة، وهذا لا ريب أنه شاق عليهم، والمشقة تجلب التيسير.
ب ـ أن الذين رخّص لهم النبي r ليس عليهم جمعة أصلاً، قال الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار: " أهل العوالي الذين ليسوا في مصر من الأمصار لهم اللتخلف عن الجمعات ومن كان له التخلف عن الجمعات كان له التخلف عن الجماعات سواها في صلوات الأعياد ومما سواها... فأعلمهم رسول الله r بما في هذين الحديثين أنهم ليس عليهم أن يقيموا بمكانهم الذي حضروه لصلاة العيد حتى يدخل عليهم وقت الجمعة وهم به .. وجعل لهم أن يقيموا به اختياراً حتى يصلوا فيه الجمعة أو ينصرفوا عنه إلى أماكنهم ويتركون الإقامة للجمعة .." .
وكما قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: " وأحسن ما يتأول في ذلك أن الإذن رخص به من لم تجب الجمعة عليه ممن شهد ذلك العيد والله أعلم، قال: وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا؛ لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه، لأن الله عز وجل
يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) ولم يخصّ الله ورسوله يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث؟".
وقد فسّر الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان مراد النبي صلى الله عليه وسلم
( من شاء أن يصلي فليصلّ) ومراده ( فمن شاء أجزأه من الجمعة ) وقوله
( من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ومن شاء أن يتخلف فليتخلف ) بأن المراد بالترخيص في كل هذه الروايات هم أهل العالية البعيدون من البلد الذين يشقّ عليهم الانتظار حتى وقت الجمعة او العودة إلى قراهم ثم الرجوع من أجل الجمعة، ولذلك أعلن الرخصة وأذن لأهل العاليةبالانصراف فقال:
(فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر ومن أحب أن يرجع فليرجع فقد أذنت له).
وهو الذي فسّر به الإمام الشافعي رحمه الله أن المقصود هم أهل العالية من غير أهل البلد والمصر ـ أي المدينة ـ فقال: " ولا يجوز هذا [ أي: سقوط الجمعة ] لأحد من أهل المصر" قال البيهقي: " وحمل الحديث على من حضره من غير أهل المصر فينصرفون إن شاءوا إلى أهاليهم ولا يعودوا للجمعة والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا أو يعودوا بعد انصرافهم إنْ قدروا".
إذنْ: الغالب أنهم لا يقدرون، ومن لا يقدر لا يجب عليه المأمور، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق، والتكليف بما لا يطاق محال.
هذا كله في حالة أن نسلّم بصحة الأحاديث والآثار، ولكن ـ كما رأيت ـ فالأحاديث كلها ليس منها حديث إلا وفيها مطعن لأهل العلم بالحديث ـ كما أثبتناه وكما قرره الحافظ ابن عبد البر وابن حزم رحمهم الله تعالى .
ثالثاً: بقي ما استدل به الحنابلة من أنّ وقتهما واحد — أي وقت صلاة العيد وصلاة الجمعة — فسقطت إحداهما بالأخرى؛ وهذا الاستدلال لا نسلم لهم به بالمعنى الذي يسقط الجمعة بالعيد ، لأنهما وإن اتفقا في يوم واحد لم يتفقا في وقت واحد، بل وقت صلاة العيد أول النهار، فإن النبي كان يصلي الأضحى إذا راتفعت الشمس قيد رمح، والفطر إذا ارتفعت قيد رمحين، وأما وقت الجمعة فبعد الزوال، فثبت أن لكل منهما وقتاً غير وقت الأخرى، فلا يمتنع التفريق والاستقلال، بأن يصلى العيد ثم يصلى الجمعة.
وعليه:
لا يجوز إسقاط فرض الجمعة بصلاة العيد إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد.
والله تعالى أعلم..
مراجع الدراسة
1ـ المغني لابن قدامة، ج2 ص 212ـ 213.
2ـ المحلى بالآثار، ج3 ص 303-304.
3ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج1 ص 510-511.
4ـ المجموع شرح المهذب للنووي، ج4 ص 411-413.
5ـ السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني، ج1 ص 304.
6ـ الاستذكار لابن عبد البر ، ج7 ص 23-29.
7ـ المعونة على مذهب عالم المدينة، للقاضي عبد الوهاب، ج1 ص 169.
8ـ معرفة السنن والآثار للبيهقي، ج3 ص 66.
9ـ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج3 ص 189-193.
10ـ التحقيق في أحديث الخلاف لابن الجوزي ، ج1 ص 502ـ 503.
11ـ التمهيد لابن عبد البر ج10 ص 267-278.
12ـ سنن أبي داود، ج1 ص 281.
13ـ سنن ابن ماجة ج1 ص 416.
14ـ سنن البيهقي الكبرى ج3 ص 318.
15ـ سنن النسائي ، ج3ص 194.
16ـ مسند الشافعي، ص 77 .
17ـ مصنف ابن أبي شيبة ج2 ص 7-8.
18ـ مصنف عبد الرزاق ج3 ص 305.
المصدر :موقع الشيخ